Wednesday, August 3, 2016

شارع الصليبة; عجائب فى طي النسيان

حاورنا أحد أساتذتنا مرة مستفسراً منا عن أى نوع من الأشخاص نحن وبناءاً عليه يسير كل منا فى مسارٍ مختلفٍ عن الأخر, حدثنا عن الشخص الذى كما أطلق عليه في بداية الحديث مستنكراً "الشاعر" - ثم أعرض بعدها عن ذلك – "الحالم" الذى يرسم لوحاً من أفكاره تتسلل خارج نطاق المألوف ولكن يحلم كثيراً فينسى أن يواجه معطيات الواقع. لا زلت أتذكر حديثه ذلك اليوم.
ولكن يظل التساؤل, ألا يوجد سبيل أن أكون حالماً بعد أن أدرس واقعاً مريراً جيداً بصورة تساعدنى على خلق واقع أجمل؟


بعد سنة تقريباً بدأت مشروع التخرج ووجهت معظم دراستي على المبانى الأثرية وعن تاريخ المنطقة وتراثها على الرغم من كونها معبأة بمئاسي أخرى ولكن فى نظرى حينها – ولايزال – أن تاريخها هو أجمل ما فيها وإن كنت أنوي حلها فلابد أن أرى أفضل مقوماتها. 
حين أسير فيها أجد أن المنطقة قد بلغت من الإهمال والسوء عتيها فيحدثني عقلى بأنه "يمكن مفيش فايدة" ثم أقرر النزول مرة أخرى وأخرى لعلى أجد ما يبعث قليلاً من الأمل. فبادرني مرة أحد أساتذتى قائلاً "انت رومانسية وحالمة" فبادرني عقلي مرة أخرى بأنه "أكيد مفيش فايدة".
ولكني لا زلت فى صراع دائم مع نفسي, فأنا بالفعل حالمة, أجد سعادة وشغفاً فى البحث وراء الكنز المفقود وأعلم أن تلك هى الوسيلة الوحيدة لتخيل أن ربما ببعض الإدارة الجيدة قد تكون بلادنا بها قليل من الجمال أو ربما متنفسٌ بعيدٌ عن مكعبات الأسمنت التى غزت الأحياء, وإن كنت أدري أن السيناريو المرجح فى نفسي ما هو إلا رومانسية وحنين للماضى فى رأى أصحاب القرار. ولكنه لا يزال هو الوسيلة الوحيدة للإبقاء على قليل من "الروح الحلوة" فى وسط "المعمعة والضرب".

يعد هذا المقال إكمالاً لما سبق فى محاولة مني لرصد معالم شارع الصليبة المتفرع من ميدان القلعة وخاصة المساجد وقد تناولت في المرة السابقة مسجدي صرغتمش الناصرى وابن تغري بردي

كانت الزيارة الثانية لشارع الصليبة فى صباح يوم جمعة أيضاً, لم ألاحظ ذلك حتى بدأت فى محاولة لتذكر أحداث اليوم ولكن تلك المرة مع صديقة تعهدنا أنا وهى على أن نبحث فى الأزقة والطرق القديمة بحثا عن جمال قد عفا عليه الزمان

وكان مسجد السلطان حسن هو نقطة الالتقاء حيث يقع في ميدان القلعة على مدخل شارع الصليبة



مسجد ومدرسة السلطان حسن (1356-1361)

الممر بين مسجدي السلطان حسن والرفاعي
© 2010 Sarah Badawy 
مسجد السلطان حسن ;الأكبر فى الحجم ومع ذلك الأقرب إلى القلب. تم تصميم المسجد ليشمل تدريس المدارس الأربعة (حنفي, مالكي شافعي, حنبلي) وقد تم بناؤه ليحتوي 400 طالبا. ولازال المسجد حتى الآن لا يخلو من بعض حلقات العلم أو الجلسات النقاشية مع الشيوخ من حين لآخر.

© 2016 Method Design
شئ ما بداخله يبعث على الراحه والهدوء النفسي, لا أدري إن كان ذلك متعلقاً بكبر حجمه فيشعر الجالس به بضآلة نفسه أم غير ذلك.
للوصول إلى مدخل المسجد فإنك تسير بممر بينه وبين مسجد الرفاعي – المسجد المقابل له – لتصل إلى البوابة ومنها تصعد بضع سلمات وتسير داخل ممر طويل مغطى وإلى الفناء الرئيسي للمسجد والذي يبعث نوعا ما بفكرة السعي للخروج من الظلام وصولاً إلى النور. بذلك تجد نفسك فى الفناء الواسع لتختار احد الإيوانات الأربعة لتجلس فى هدوء مستمتعاً بقناديل مدلاة من الأسقف ومجملة بآيات القرآن..

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾

على الرغم من كون المسجد معلماً سياحياً لا يخلو من السياح إلا أن ما يعطيه جمالاً هو العائلات التي تقوم كل منها باتخاذ حائط من حوائط المسجد فتبدو الأحاديث والضحكات بين كبار العائلة كتهامس خفيف, بينما يلهو صغارهم بلعبة " الفقاقيع" اللعبة الشعبية
 للمسجد حيث يقوم الهواء بتحريكها فى مسارات دائرية تضيف إليها جمالاً فريداً من نوعه. ولا أدري حقاً من توصل للعلاقة بين حركة الرياح والفقاقيع لتظهر بذلك الجمال داخل المسجد ولكن أينما كنت فأنا حقاً أكن لك خالص المحبة والتقدير.
© 2015 Bassant Abd El-Gawad
الممر المؤدي لصحن المسجد
© 2010 Sarah Badawy
على جانب آخر فإنك تكتشف أن عشش الحمام من السمات المميزة وأن للحمام نصيبه الخاص من المسجد مثله كمثل أي زائر آخر فتجده دائماً محلقاً في الأنحاء. في البداية ستشعر بأن ذلك يضيف نوعاً من البهجة للمكان إلا أنك بعد قليل من الوقت تكتشف أن هناك الواقع المرير من كونه يستمتع "بقضاء حاجته" فى أماكن معينة خاصة به ومحببة إلى قلبه, مع كثرة الزيارات تكتسب خبرة لتتجنب بعد ذلك تلك الأماكن بالتحديد. وقد قام المسئولين داخل المسجد بمبادرة منهم بفرش حصائر من لون آخر فى الأماكن التي اتخذها الحمام لنفسه "بوضع اليد", أصبحت تلك الحصائر مؤخراً بمثابة يافطة تحذير من الاقتراب أو الجلوس. ­­
لا يقتصر المسجد على الفناء الرئيسي وإيواناته ولكن تلك الأجزاء فقط هي المتروكة للزيارة.


قصر الأمير طاز (1352)


© 2010 Sarah Badawy
يقع قصر الأمير طاز فى شارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة وقد قام ببناء القصر احتفالاً بزواجه ويرجع تاريخ بنائه إلى العصر ذاته الذى كان يتولي فيه السلطان حسن والأمير صرغتمش الحكم. تعرض القصر الى العديد من التجديدات منذ تاريخ بنائه وحتى حكم الخديو اسماعيل.
قمت بزيارة القصر مرتين أحدهم فى ضوء الشمس والمرة الأخرى بعد صلاة المغرب. يحتوي القصر من الخارج على خانات صغيرة للتجارة ابتداءً من شارع الصليبة وصولاً لباب القصر وتختلف أنواع التجارة ما بين بيع الملابس العربية القديمة أو الانتيكات أو أياً من التجارات التقليدية.


فى المرة الأولي قد تلاحظ حجم المبنى وتفاصيله والساحتين الساحة الخارجية عند بوابة القصر والساحة الداخلية التي يعلو في وسطها النخل. وأكثر ما يجذب انتباهك قد تكون السلالم الخشبية خارج البناء والتي ترتفع بطول المبنى.ولكن مع جمال المبنى إلا أنه يبدو خالياً من أى أنواع الحياة ويبدو كمجرد صرحا جميل مهجور. 


إلا أنه فى الزيارة الثانية تبين لي أنه ربما قد نجا ذلك المبنى دوناً عن غيره من النسيان بل وأصبح له روحه الخاصة التي تجذب سكان المنطقة وآخرين من الخارج. حيث يفتح القصر أبوابه للمناسبات وتضاء أنواره وتستخدم قاعاته كمعارض. فتلك الساحة الفارغة نهاراً تقام بها منصة ليلاً وتمتلئ بالمقاعد ذات الطابع العربي. والساحة التي يتوسطها النخل تتحول ليلاً لمسرح للعروض فتُستغل الساحة بالغرف والشرف المطلة عليها فى تنقل الممثلين ما بين مشهد وآخر لتشعر كأنك داخل فيلم سينمائي, كما يساعد بناء القصر على أن تستمتع بالعرض فى أحر أيام الصيف.

مسجد المحمودية-  محمود باشا (1567)

© 2010 Sarah Badawy

© 2010 Sarah Badawy
© 2010 Sarah Badawy
يعتلي مسجد المحمودية تل صغير على ميدان القلعة إلا أنه يصعب
 رؤيته من المرة الأولى حيث يطغى على الميدان مسجدا الرفاعي والسلطان حسن من جانب ومسجد محمد علي بالقلعة من جانب آخر فيعد مسجد المحمودية ضئيل الحجم مقارنة بهم. إلا أن وقت الصلاة خاصة صلاة الجمعة قد تلاحظ تضارب الأصوات بين المساجد وإقبال أهل المنطقة على مسجد المحمودية خاصة دون البقية فتنتبه لوجود قطعة فنية أخري على الميدان.
يعاني مسجد المحمودية من إهمال شديد على الرغم من موقعه المتميز على ميدان القلعة. والمسجد قائم بذاته فلا تحيط به المباني إلا من جانب واحد. أتذكر عند مرورنا بالمسجد منذ خمس سنوات تقريبا كانت بجواره سيارة قديمة مغطاه بغطاء مُصنع يدوياً من بقايا أقمشه.

لا أدري إن كانت لا تزال موجودة أم عفا عليها الزمن هي الأخرى لكنها كانت بلا شك عملاً يدوياً محترفاً يستحق التقدير. 

على الرغم من صغر حجم المسجد إلا أنه يحتوي عند الجلوس به على قدر لا بأس به من الراحة النفسية حيث يطل المسجد على ميدان القلعة من جانب وتطل نوافذه على مسجد السلطان حسن الذي يحجب نور الشمس عنه ولكنه لا يزال يسمح بوصول الضوء بصورة كافية ليضيء المسجد. والمميز في مسجد المحمودية هو تنوع النوافذ داخله ما بين الزجاج العربي الملون والنوافذ المصنعة من الأخشاب التي يصل ارتفاعها إلي قبيل سقف المسجد بأمتار ويغلق عليها بباب عند مواعيد إغلاق المسجد. كما توجد به أيضا الدكك المصنعة من الأخشاب ولا أدري سبب تواجدها في مسجد المحمودية على وجه الخصوص إلا انى لم أرها إلا في مسجدي عمرو بن العاص ومسجد المؤيد والإثنان خارج نطاق شارع الصليبة. 


سبيل أم عباس (1867)



يقع سبيل أم عباس على تقاطع شارع السيوفية مع شارع الصليبة. ويتميز بعماراة فريدة من نوعها فلا تتخيل في أول الأمر أن ذلك سبيل بأي حال من الأحوال بل ربما احد المساجد التاريخية التي تقع على جانبي الشارع أو ربما بيت لملك من الملوك.

يطلق على أم عباس اسم أم المحسنين وذلك بسبب تبرعها بنسبة كبيرة من ثروتها للمحتاجين. السبيل يتمتع بطراز خاص حيث يغطى بنقش من الورود وأوراق الشجر والجدير بالذكر أن الكلمات على السبيل قد قام بنقشها كاتب الحرمين في ذلك الوقت.
على الرغم من التجديدات والصيانة المستمرة لسبيل أم عباس إلا أنه لا يزال متوقف عن العمل حتى الآن ولم يتم استغلاله بأي طريقة أخرى.
© 2009 Hassan Qasem




لا يزال يوجد عجائب منسية في شارع الصليبة أمثال مسجد الرفاعي, مجمع ابن طولون وبيت الكريتليه, مسجد الأمير شايخون, سبيل قيتباي وغيرها الكثير ولكن لذلك "حواديت" آخرى. 

6 comments:

  1. رائع وممتع .. وسعيد للغة العربية .. قرّبت السرد لنفسي...
    ..
    لي بعض التعليقات:

    ه- السرد ممتاز .. وصف الأماكن رائع لكنّي افتقدتُ التاريخ هذه المرة .. افتقدتُ الحكاية وراء المكان .. أشعر أنه لا يزال في جعبتك ما يروى عن تلك الكنوز المنسيّة .. قد يكون من الجميل تقسيم الحديث عن كل مكان إلى (الموقع - التاريخ و الحكاية - الوصف المعماري - قصة زيارتك لللأثر وتجربتكِ النفسية داخله) .. أعلم أنه ليس التأريخ من تخصصك .. ولكن لو كنت أفهم ما بين الأسطر .. فأنتِ - ولا شك - عاشقةٌ له

    ه- لو لم تكوني قد شاهدتِ (جمال الغيطاني ) في (تجليات مصرية - قاهرة نجيب محفوظ ) فهي لكِ.. الغيطاني كان يعشق هذه الأماكن ويؤرخ لها .. تسجيلا وكتابة .. وإن كان لكِ جلدٌ على القراءة - وهذا ما أحسبه - فكتابه : "ملامح القاهرة في ألف عام" عالمٌ ساحر ..
    https://www.goodreads.com/book/show/5966523

    ه- هناك بعض الأخطاء الطفيفة في الكتابة ... صححتها لكِ هنا..
    http://ow.ly/Kx6G3030D4B


    ..
    .

    في انتظار الرحلة التالية..
    :)
    .

    ReplyDelete
    Replies
    1. شكراً جزيلاً على النقد البناء :)
      - في نقطة التاريخ والمعمار المشكلة معايا كانت اني مش عايزه ابقى مكررة للموجود في الكتب كنت عايزه انقل تجربتي أنا لأن دي الي هيبقى فيها تجديد..بس هما فعلاً بيخلوا المقال مفيد بجانب انه يكون مسلي بس

      -أنا كنت فعلاً بدور على حاجة زي كدا ومكنتش عارفة أقرا ايه..شكراً :)

      -أنا بعاني في الكتابة بالعربى ودي حاجة مؤسفة بس حقيقة..مُقدره جداً الجهد المبذول في التصحيح

      في انتظار النقد القادم :D

      Delete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  3. Hey, i've read the blog actually it made me so excited to visit that places cuase i've never been their before
    From your article made the realty so good but actually when i visit that places :-
    1- Sultan Hassan mosque :-the masjid was closed from inside by doors with chains / those "madrasa" the all 4 of them was also closed / the neglect was real they didnt take care of anything in the mosque the walls and the floor it was pretty sad / and i would love to know from ur article what was in the other floors 2nd,3rd,4th

    2- Beet al kyryatela :- also closed or i arrived so late

    3- Palace of the price taz :- i didnt notice in ur map it exist i would love to see dat

    4- Sabeel Om Abbas :- i thought it belongs to the school next to had the same fence

    5-have alot of eating problems all day long

    6- Surghutmus :- i went their by accident thought dat was ibn tulun mosque but it's really good it makes u isolated from the surrounding features and it had nobody their

    7-Ibn Tulun mosque :- the most beautiful placce i've ever seen for amoument i felt that i was in the time of prophit Muhammed صلي الله عليع وسلم but the mosque was so neglect eathier


    The Gist is :- the places were so good but the neglect was giving a bad feeling
    Thank u for that blog , waiting for another
    Keep going

    ReplyDelete
    Replies
    1. I am glad you went for the adventure, this is actually very encouraging to write more thank you.
      It is true those places are very neglected, and those are the sort of places I enjoy writing about, to bring an eye to them and maybe even few people might start to check them out bringing more attention to them.

      About your notes

      1-Actually Sultan Hassan's mosque in particular is cared for more than many other mosques, even though the place needs cleaning every once in a while but it is still one of the most cared for mosques, for example Ibn tolon, Amr-Ibn El-Aas and many other mosques along Mohamed Ali's street are far worse.

      2-It closes early, I think around 3 or 4, The mosques that are open for tourists like Sultan Hassan and Refa'e on the other side of it also closes around the same time.

      3-If you just went down the right road before Sabil om abas you would find it on your right. but make sure you get there early(before 3 Pm) if you are up to a quick visit and not attending an event.

      4-Didn't notice that before, will take a second look!

      5- Yes this is in fact a problem that I'm willing to talk about in the next article about public spaces especially historical public Spaces. but next time you might want to check Sayda Zeinab's Square for Koshari and Sobia El-Rahmani, those are the best choices i can think of right now,The square lie right at the end of Saliba St.

      6,7- They do tend to give those two feelings :)

      Will sure do, The next one is coming up soon.

      Many Thanks for the feedback!

      Delete
    2. This comment has been removed by the author.

      Delete