حاورنا أحد أساتذتنا مرة مستفسراً منا عن أى نوع من الأشخاص نحن وبناءاً عليه يسير كل منا فى
مسارٍ مختلفٍ عن الأخر, حدثنا عن الشخص الذى كما أطلق عليه في بداية الحديث
مستنكراً "الشاعر" - ثم أعرض بعدها عن ذلك – "الحالم" الذى
يرسم لوحاً من أفكاره تتسلل خارج نطاق المألوف ولكن يحلم كثيراً فينسى أن يواجه
معطيات الواقع. لا زلت أتذكر حديثه ذلك اليوم.
ولكن يظل التساؤل,
ألا يوجد سبيل أن أكون حالماً بعد أن أدرس واقعاً مريراً جيداً بصورة تساعدنى على
خلق واقع أجمل؟
بعد سنة تقريباً بدأت مشروع التخرج ووجهت معظم دراستي على المبانى الأثرية وعن تاريخ المنطقة وتراثها على الرغم من كونها معبأة بمئاسي أخرى ولكن فى نظرى حينها – ولايزال – أن تاريخها هو أجمل ما فيها وإن كنت أنوي حلها فلابد أن أرى أفضل مقوماتها.
بعد سنة تقريباً بدأت مشروع التخرج ووجهت معظم دراستي على المبانى الأثرية وعن تاريخ المنطقة وتراثها على الرغم من كونها معبأة بمئاسي أخرى ولكن فى نظرى حينها – ولايزال – أن تاريخها هو أجمل ما فيها وإن كنت أنوي حلها فلابد أن أرى أفضل مقوماتها.
حين أسير فيها أجد أن المنطقة قد بلغت من الإهمال والسوء عتيها فيحدثني عقلى بأنه
"يمكن مفيش فايدة" ثم أقرر النزول مرة أخرى وأخرى لعلى أجد ما يبعث
قليلاً من الأمل. فبادرني مرة أحد أساتذتى قائلاً "انت رومانسية وحالمة"
فبادرني عقلي مرة أخرى بأنه "أكيد مفيش فايدة".
ولكني لا زلت فى
صراع دائم مع نفسي, فأنا بالفعل حالمة, أجد سعادة وشغفاً فى البحث وراء الكنز
المفقود وأعلم أن تلك هى الوسيلة الوحيدة لتخيل أن ربما ببعض الإدارة الجيدة قد
تكون بلادنا بها قليل من الجمال أو ربما متنفسٌ بعيدٌ عن مكعبات الأسمنت التى
غزت الأحياء, وإن كنت أدري أن السيناريو المرجح فى نفسي ما هو إلا رومانسية وحنين
للماضى فى رأى أصحاب القرار. ولكنه لا يزال هو الوسيلة الوحيدة للإبقاء على قليل
من "الروح الحلوة" فى وسط "المعمعة والضرب".
يعد هذا المقال إكمالاً لما سبق فى محاولة مني لرصد معالم شارع الصليبة المتفرع من
ميدان القلعة وخاصة المساجد وقد تناولت في المرة السابقة مسجدي صرغتمش الناصرى
وابن تغري بردي
كانت الزيارة الثانية لشارع الصليبة فى صباح يوم جمعة أيضاً, لم ألاحظ ذلك حتى
بدأت فى محاولة لتذكر أحداث اليوم ولكن تلك المرة مع صديقة تعهدنا أنا وهى على أن
نبحث فى الأزقة والطرق القديمة بحثا عن جمال قد عفا عليه الزمان
وكان مسجد السلطان
حسن هو نقطة الالتقاء حيث يقع في ميدان القلعة على مدخل شارع الصليبة
مسجد ومدرسة السلطان حسن (1356-1361)
الممر بين مسجدي السلطان حسن والرفاعي © 2010 Sarah Badawy |
مسجد السلطان حسن ;الأكبر فى الحجم ومع ذلك الأقرب إلى القلب.
تم تصميم المسجد ليشمل تدريس المدارس الأربعة (حنفي, مالكي شافعي, حنبلي) وقد تم
بناؤه ليحتوي 400 طالبا. ولازال المسجد حتى الآن لا يخلو من بعض حلقات العلم أو
الجلسات النقاشية مع الشيوخ من حين لآخر.
© 2016 Method Design |
للوصول إلى مدخل المسجد فإنك تسير بممر بينه وبين مسجد الرفاعي – المسجد المقابل
له – لتصل إلى البوابة ومنها تصعد بضع سلمات وتسير داخل ممر طويل مغطى وإلى الفناء
الرئيسي للمسجد والذي يبعث نوعا ما بفكرة السعي للخروج من الظلام وصولاً إلى
النور. بذلك تجد نفسك فى الفناء الواسع لتختار احد الإيوانات الأربعة لتجلس فى
هدوء مستمتعاً بقناديل مدلاة من الأسقف ومجملة بآيات القرآن..
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾
على الرغم من كون المسجد معلماً سياحياً لا يخلو من السياح إلا أن ما يعطيه جمالاً هو العائلات التي تقوم كل منها باتخاذ حائط من حوائط المسجد فتبدو الأحاديث والضحكات بين كبار العائلة كتهامس خفيف, بينما يلهو صغارهم بلعبة " الفقاقيع" اللعبة الشعبية للمسجد حيث يقوم الهواء بتحريكها فى مسارات دائرية تضيف إليها جمالاً فريداً من نوعه. ولا أدري حقاً من توصل للعلاقة بين حركة الرياح والفقاقيع لتظهر بذلك الجمال داخل المسجد ولكن أينما كنت فأنا حقاً أكن لك خالص المحبة والتقدير.
|
|
لا يقتصر المسجد
على الفناء الرئيسي وإيواناته ولكن تلك الأجزاء فقط هي المتروكة للزيارة.
قصر الأمير طاز (1352)
|
يقع قصر الأمير طاز فى شارع السيوفية المتفرع من شارع
الصليبة وقد قام ببناء القصر احتفالاً بزواجه ويرجع تاريخ بنائه إلى العصر ذاته
الذى كان يتولي فيه السلطان حسن والأمير صرغتمش الحكم. تعرض القصر الى العديد من
التجديدات منذ تاريخ بنائه وحتى حكم الخديو اسماعيل.
قمت بزيارة القصر
مرتين أحدهم فى ضوء الشمس والمرة الأخرى بعد صلاة المغرب. يحتوي القصر من الخارج
على خانات صغيرة للتجارة ابتداءً من شارع الصليبة وصولاً لباب القصر وتختلف أنواع
التجارة ما بين بيع الملابس العربية القديمة أو الانتيكات أو أياً من التجارات
التقليدية.
فى المرة الأولي
قد تلاحظ حجم المبنى وتفاصيله والساحتين الساحة الخارجية عند بوابة القصر والساحة
الداخلية التي يعلو في وسطها النخل. وأكثر ما يجذب انتباهك قد تكون السلالم
الخشبية خارج البناء والتي ترتفع بطول المبنى.ولكن مع جمال المبنى إلا أنه يبدو
خالياً من أى أنواع الحياة ويبدو كمجرد صرحا جميل مهجور.
إلا أنه فى الزيارة الثانية تبين لي أنه ربما قد نجا ذلك المبنى دوناً عن غيره من
النسيان بل وأصبح له روحه الخاصة التي تجذب سكان المنطقة وآخرين من الخارج. حيث
يفتح القصر أبوابه للمناسبات وتضاء أنواره وتستخدم قاعاته كمعارض. فتلك الساحة
الفارغة نهاراً تقام بها منصة ليلاً وتمتلئ بالمقاعد ذات الطابع العربي. والساحة
التي يتوسطها النخل تتحول ليلاً لمسرح للعروض فتُستغل الساحة بالغرف والشرف
المطلة عليها فى تنقل الممثلين ما بين مشهد وآخر لتشعر كأنك داخل فيلم سينمائي, كما يساعد بناء القصر على أن تستمتع بالعرض فى أحر أيام الصيف.
مسجد المحمودية- محمود باشا (1567)
|
رؤيته من المرة الأولى حيث يطغى على الميدان مسجدا الرفاعي والسلطان حسن من جانب ومسجد محمد علي بالقلعة من جانب آخر فيعد مسجد المحمودية ضئيل الحجم مقارنة بهم. إلا أن وقت الصلاة خاصة صلاة الجمعة قد تلاحظ تضارب الأصوات بين المساجد وإقبال أهل المنطقة على مسجد المحمودية خاصة دون البقية فتنتبه لوجود قطعة فنية أخري على الميدان.
يعاني مسجد المحمودية من إهمال شديد على الرغم من موقعه المتميز على ميدان القلعة. والمسجد قائم بذاته فلا تحيط به المباني إلا من جانب واحد. أتذكر عند مرورنا بالمسجد منذ خمس سنوات تقريبا كانت بجواره سيارة قديمة مغطاه بغطاء مُصنع يدوياً من بقايا أقمشه.
على الرغم من صغر حجم المسجد إلا أنه يحتوي عند الجلوس به على قدر لا بأس به من الراحة النفسية حيث يطل المسجد على ميدان القلعة من جانب وتطل نوافذه على مسجد السلطان حسن الذي يحجب نور الشمس عنه ولكنه لا يزال يسمح بوصول الضوء بصورة كافية ليضيء المسجد. والمميز في مسجد المحمودية هو تنوع النوافذ داخله ما بين الزجاج العربي الملون والنوافذ المصنعة من الأخشاب التي يصل ارتفاعها إلي قبيل سقف المسجد بأمتار ويغلق عليها بباب عند مواعيد إغلاق المسجد. كما توجد به أيضا الدكك المصنعة من الأخشاب ولا أدري سبب تواجدها في مسجد المحمودية على وجه الخصوص إلا انى لم أرها إلا في مسجدي عمرو بن العاص ومسجد المؤيد والإثنان خارج نطاق شارع الصليبة.
سبيل أم عباس (1867)
يقع سبيل أم عباس
على تقاطع شارع السيوفية مع شارع الصليبة. ويتميز بعماراة فريدة من نوعها فلا
تتخيل في أول الأمر أن ذلك سبيل بأي حال من الأحوال بل ربما احد المساجد التاريخية
التي تقع على جانبي الشارع أو ربما بيت لملك من الملوك.
يطلق على أم عباس
اسم أم المحسنين وذلك بسبب تبرعها بنسبة كبيرة من ثروتها للمحتاجين. السبيل يتمتع
بطراز خاص حيث يغطى بنقش من الورود وأوراق الشجر والجدير بالذكر أن الكلمات على
السبيل قد قام بنقشها كاتب الحرمين في ذلك الوقت.
على الرغم من
التجديدات والصيانة المستمرة لسبيل أم عباس إلا أنه لا يزال متوقف عن العمل حتى
الآن ولم يتم استغلاله بأي طريقة أخرى.
© 2009 Hassan Qasem |
لا يزال يوجد عجائب منسية في شارع الصليبة أمثال مسجد الرفاعي, مجمع ابن طولون وبيت الكريتليه, مسجد الأمير شايخون, سبيل قيتباي وغيرها الكثير ولكن لذلك "حواديت" آخرى.